شرح أسماء الله الحسنى.....في ضوء الكتاب والسنة

وسمى نفسه بالعزيز ، فقال : { العزيز الجبار المتكبر }68 وسمى بعض عباده بالعزيز، فقال : { قالت امرأة العزيز }69 وليس العزيز كالعزيز .
وسمى نفسه الجبار المتكبر، وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر فقال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار }70 وليس الجبار كالجبار ، ولا المتكبر كالمتكبر.
ونظائر هذا متعددة.
وكذلك سمّى صفاته بأسماء ، وسمّى صفات عباده بنظير ذلك ، فقال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }71 وقال : { أنزله بعلمه}72 ، وقال : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } 73 ، وقال : { أولم يروا أنَّ الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } 74.
وسمَّى صفة المخلوق علماً وقوة فقال: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }75 ، وقال : { وفوق كل ذي علم عليم } 76 ، وقال : { فرحوا بما عندهم من العلم }77 ، وقال : {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير }78 ، وقال : { ويزدكم قوَّة إلى قوتكم }79 وقال: { والسماء بنيناهابأيد}80 ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


67/ سورة السجدة الآية 18 .
68/سورة الحشر الآية 23 .
69/ سورة يوسف الآية 51 .
70/سورة غافر الآية 35
71/ سورة البقرة الآية 255
72/ سورة النساء الآية 166
73/ سورة الذاريات الآية 58
74/ سورة فصلت الآية 15
75/ سورة الإسراء 85
76/ سورة يوسف الآية 76
77/ سورة غافر الآية 83
78/ سورة الروم الآية 54
79/سورة هود الآية 52
80/سورة الذاريات الآية 47

وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد ، كما وصف عبده بذلك ، فقال: { ويمكرون ويمكر الله }88 ، وقال:{ إنهم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً } 89 وليس المكر كالمكر ، ولا الكيد كالكيد .
ووصف نفسه بالعمل فقال : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون } 90 ، ووصف عبده بالعمل ، فقال: { جزاء بما كانوا يعملون }91 وليس العمل كالعمل .
ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة ، في قوله : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً }92 وقوله : { ويوم يناديهم }93 وقوله : { وناداهما ربهما }94 .
ووصف عبده بالمناداة والمناجاة ، فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجـرات أكثرهـم لا يعقلون }95 وقال : { إذا ناجيتم الرسول }96 وقال:{ إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان}97وليس المناداة كالمناداة ، ولا المناجاة كالمناجاة .
ووصف نفسه بالتكليم في قوله : { وكلَّم الله موسى تكليماً }98 ، وقوله : {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربه } 99وقوله : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله }100 ،


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

88/ سورة غافر الآية 10
89/سورة الأنفال الآية 30
90/ سورة الطارق الآية 9
91/سورة يس الآية 71
92/سورة السجدة الآية 17
93/سورة مريم الآية 52
94/ سورة القصص الآية 62
95/ سورة الأعراف الآية 22
96/ سورة الحجرات الآية 4
97/ سورة المجادلة الآية 12
98/سورة النساء الآية 164
99/ سورة الأعراف الآية 143
100/سورة البقرة الآية 253

وقوله { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} 110وقوله : { واستوت على الجودي }111 وليس الاستواء كالاستواء .
ووصف نفسه ببسط اليدين فقال : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء }112 ، ووصف بعض خلقه ببسط اليد ، في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط }113 وليس اليد كاليد ، ولا البسط كالبسط ، وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه ، ولا جوده كجودهم . ونظائر هذا كثيرة .
فلا بدَّ من إثبات ما أثبته الله لنفسه ، ونفي مماثلته لخلقه ، فمن قال : ليس لله علم ، ولا قوة ، ولا رحمة ولا كلام ، ولا يحب ولا يرضى ، ولا نادى ولا ناجى ولا استوى – كان معطلاً، جاحداً ، ممثلا لله بالمعدومات والجمادات . ومن قال : [له ] علم كعلمي، أو قوة كقوتي ، أو حب كحبي ، أو رضا كرضاي ، أو يدان كيدي أو استواء كاستوائي –كان مشبهاً ، ممثلا لله بالحيوانات ، بل لابد من إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل114 .
وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (( أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاث اعتبارات :


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


110/سورة المؤمنون الآية 28
111/سورة هود الآية 44
112/سورة المائدة الآية 64
113/سورة الإسراء الآية 29
114/التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص21-30 ....

الاعتبار الأول : اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد .
الاعتبار الثاني : اعتباره مضافاً إلى الربِّ مختصاً به .
الثالث : اعتباره مضافاً إلى العبد مقيداً به . فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتاً للرب والعبد وللرب منه ما يليق بكماله وللعبد منه ما يليق به . وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات والعليم والقدير وسائر الأسماء ، فإنَّ شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها فما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه بل يثبت له على وجه لا يماثل فيه خلقه ولا يشابههم فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله . ومن أثبته له على وجه يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه ومن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه بل كما يليق بجلاله وعظمته فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل وهذا طريق أهل السنة ، وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله كما يلزم حياة العبد من النوم والسنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك . وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به . وكذلك ما يلزم علوه من احتياجه إلى ما هو عال عليه وكونه محمولا به مفتقراً إليه محاطا به . كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى وما لزم صفة من جهة اختصاصه تعالى بها فإنه لا يثبت للمخلوق بوجه كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم وقدرته وإرادته وسائر صفاته فإن ما يختص به منها لا يمكن إثباته للمخلوق فإذا أحطت بهذه القاعدة خبراً وعقلتها كما ينبغي خلصت من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين آفة التعطيل وآفة التشبيه فإنك إذا وفيت هذا المقام حقه من التصوُّر أثبتَّ لله الأسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة فخلصت من التعطيل ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم فخلصتَ من التشبيه فتدبر هذا الموضع واجعله جنتك التي ترجع إليها في هذا الباب والله الموفق للصواب115 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

115/ بدائع الفوائد للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى 1/165-166 بتصرف يسير جداً وانظر مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم 2/37 فقد قال : إن هذه الألفاظ التي تستعمل في حق المخلوق والخالق لها ثلاث

وقال ابن القيم رحمه الله أيضاً : اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي ، والسميع، والبصير، والعليم ، والقدير، والملك ونحوها فقالت طائفة من المتكلمين هي حقيقة في العبد مجاز في الرب وهذا قول غلاة الجهمية وهو أخبث الأقوال وأشدها فساداً . الثاني مقابله وهو أنها حقيقة في الرب مجاز في العبد وهذا قول أبي العباس الناشي . الثالث أنها حقيقة فيهما وهذا قول أهل السنة وهو الصواب. واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجهما عن كونها حقيقة فيهما . وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله وللعبد منها ما يليق به 116.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


اعتبارات : أحدها أن تكون مقيدة بالخالق : كسمع الله وبصره ووجهه ويديه واستوائه ونزوله وعلمه وقدرته وحياته . والثاني : أن تكون مقيدة بالمخلوق كيد الإنسان ووجهه ويديه واستوائه . الثالث : أن تجرد عن كلا الإضافتين وتوجد مطلقة .. ثم شرح ذلك شرحاً جيداً .انظر مختصر الصواعق 2/37

116/ بدائع الفوائد 1/164 ببعض التصرف .